- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
قروض جديدة وأذون خزانة للمركزي المصري
حين تتحوّل الدولة إلى أسيرة الدَّين!
الخبر:
قالت شبكة CNBC العربية على موقعها الاثنين 1/12/2025م إن مصر باعت أذون خزانة مقومة بالدولار لمدة عام بقيمة 961 مليون دولار في مزاد جديد، بمتوسط عائد بلغ 3.75% وفق إعلان البنك المركزي في 1 كانون الأول/ديسمبر 2025. وفي سياق اقتصادي متصل، تحقق لمصر لأول مرة منذ أكثر من ثلاث سنوات معدل نمو قدره 5.3% خلال الربع الأول من العام المالي 2025/2026، مقارنة بـ 3.5% في الفترة نفسها من العام الماضي. ويُعزى هذا الارتفاع إلى نشاط ملحوظ في قطاعات الصناعة والسياحة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إضافة إلى تعافي إيرادات قناة السويس التي سجلت نمواً للمرة الأولى منذ الربع الثاني لعام 2023/2024. ويمتد العام المالي في مصر من تموز/يوليو حتى نهاية حزيران/يونيو. ووفق بيان وزيرة التخطيط والتعاون الدولي رانيا المشاط (27 تشرين الثاني/نوفمبر 2025)، فإن مصر تستهدف تحقيق نمو سنوي بنحو 5% خلال العام المالي 2025-2026.
التعليق:
أن تعلن وكالات الأنباء عن اقتراض جديد بقيمة 961 مليون دولار عبر أذون خزانة بعائد يقترب من 3.75% لسداد ديون مستحقة، فذلك يكشف عن مسار اقتصادي لم يعد خافياً على أحد: دولة تستدين لتسدّد ما استدانت، حتى صار الدَّين دورة مغلقة لا تنتهي، يدفع ثمنها الناس من قوتهم، ومن مستقبلهم، ومن ثروات بلادهم التي تُرهن للغرب عاماً بعد عام.
هذا الخبر ليس طارئاً، بل حلقة في سلسلة ممتدة؛ فالدين الخارجي تجاوز 152.9 مليار دولار بنهاية السنة المالية 2023/2024، ثم ارتفع لاحقاً إلى نحو 161 مليار دولار في تقارير أحدث، مع خدمة دين تبلغ أكثر من 32.9 مليار دولار سنوياً بين ربا وأقساط. هذا يعني أن موارد الدولة الحقيقية تُهدر في تسديد التزامات مترتبة على سياسات مالية فاسدة، وليست في رعاية شؤون الناس كما فرض الشرع.
منظومة الديون الحالية قائمة على القروض الربوية بكل صورها؛ سندات، أذون خزانة، صكوك دولارية، قروض ميسّرة، قروض تجارية… كلها في حقيقتها التزامات ربوية تثقل كاهل الناس. فما بال دولة كاملة تجعل الربا أساساً لميزانيتها، وتخطط للاقتراض سنة بعد سنة لتسديد ما تراكم عليها منه؟
إن دائرة "الاقتراض لسداد الاقتراض" ليست مجرد سوء إدارة مالية، بل هي جريمة شرعية وسياسية واقتصادية، لأنها تجعل القرار السياسي مرهوناً للمانحين، وتحوّل موارد الدولة إلى خزانة للدائنين، وتُغرق الأمة في تبعية اقتصادية تجر الويلات على حاضرها ومستقبلها.
هذه الأموال ليست "تكلفة تمويل" كما يصفها النظام، بل ربا محرّم يلعن اللهُ آكله وموكله وكاتبه وشاهديه كما قال ﷺ. وهذه اللعنة لا تقع على أفراد، بل تصيب المجتمع بأكمله حين تُبنى ميزانياته على هذه المعصية.
وليس عجيباً - والحال هذه - أن يبتلع الربا جانباً ضخماً من الإنفاق العام، وأن يتقلّص ما يُصرف على الصحة والتعليم والخدمات الأساسية لصالح الدائنين، إذ هكذا تعمل الأنظمة الربوية فهي تستنزف الناس لحساب قلة من المرابين المحليين والدوليين.
قد تُقدَّم للناس روايات رسمية عن (التوسع والاستثمار، أو الإصلاح الاقتصادي، أو احتياجات التمويل)، لكن الواقع يشهد أن:
- القروض تزداد بوتيرة أسرع من قدرة الاقتصاد على إنتاج الثروة، والربا يرتفع عاماً بعد عام.
- العملة تتعرض لانهيار متسارع يزيد عبء السداد.
- عمليات بيع الأصول العامة تتسارع لتغطية العجز.
- الدائنون الدوليون أصبحوا مهيمنين على القرار داخل الدولة.
هذا ليس إصلاحاً، ولا إدارة رشيدة، بل إعادة إنتاج للنموذج نفسه الذي جرّ الخراب على بلاد عديدة، وهو النموذج القائم على ربط الاقتصاد بمؤسسات دولية، وعلى تقييده ببرامج إقراض مسمومة، وعلى تحويل الدولة إلى مقاول عند الجهات المانحة.
النظرة الصحيحة للاقتصاد ليست ترقيعاً لأنظمة قائمة، ولا تحسيناً لشروط الديون، بل تحرير كامل من المنظومة الربوية العالمية، على أساس الشرع الذي وضع أسساً واضحة:
1. تحريم الربا بكل أشكاله، فلا سندات ولا أذون خزانة ولا قروض.
2. إدارة الملكية العامة والثروات المملوكة للأمة - النفط، الغاز، المعادن، القنوات والممرات المائية - وتخصيص عائداتها لرعاية شؤون الناس لا لسداد الربا.
3. عملة مستقرة قائمة على الذهب والفضة تمنع التضخم والانهيار النقدي.
4. منع تمويل العجز بالاقتراض الربوي، واستبدال موارد شرعية حقيقية به.تحرير القرار السياسي من شروط الدائنين لاستعادة السيادة الحقيقية للدولة.
مثل هذه المعالجات ليست تنظيراً، بل هي أحكام شرعية، أثبت التاريخ قدرتها على بناء اقتصاد قوي لا يخضع للابتزاز الدولي ولا يعيش على الاستدانة.
الخبر الأخير عن اقتراض جديد لسداد ديون سابقة ليس رأس جبل الجليد، بل عنوان لمسار كامل من الارتهان الاقتصادي. والعلة ليست في حجم الدين وحده، بل في الربا الذي بُني عليه، وفي النظام السياسي الذي يصرّ على ربط البلاد بالمؤسسات الدولية، وفي إهمال الأحكام الشرعية التي تُخرج الأمة من دائرة الديون إلى رحابة الرعاية الحقيقية. ولا خلاص لبلد يغرق في الديون إلا بالتحرّر من ربقة الربا وقيود المانحين، والعودة إلى النظام الاقتصادي الرباني البعيد عن الاستدانة بالربا، والقائم على الثروة الحقيقية، والانعتاق من التبعية، ورعاية شؤون الناس بحق.
إن مصر بحاجة إلى الإسلام ومشروعه الحضاري حيث لا قروض ربوية، ولا جباية لأموال الناس وأكلها بالباطل، ولا تفريط في ثرواتهم ولا حماية لناهبيها، بل عدل يعيد للناس حقوقهم ويرعاهم خير رعاية، عدل يشعر به الناس من أول يوم وينعم في ظله الشجر والطير وحتى الحجر؛ في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمود الليثي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر