الخميس، 20 صَفر 1447هـ| 2025/08/14م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

المكتب الإعــلامي
ولاية مصر

التاريخ الهجري    19 من صـفر الخير 1447هـ رقم الإصدار: 1447 / 12
التاريخ الميلادي     الأربعاء, 13 آب/أغسطس 2025 م

 

 

 

بيان صحفي


صناعة "المفتي الرشيد" في عصر الذكاء الاصطناعي
صناعة فقه على مقاس الغرب وعملائه من الحكام

 


في ظلّ الانهيار السياسي والفكري الذي تعيشه الأمة الإسلامية، وفي وقتٍ تتوالى فيه المؤامرات على دينها وأحكامه، تطلّ علينا الأنظمة الحاكمة، وأدواتها من المؤسسات الدينية الرسمية، بمؤتمرات تحمل شعارات براقة ومصطلحات تكنولوجية مثيرة، لتضفي على مشروعها في تزييف الدين مسحة "العصرنة" و"التطوير". ومن ذلك مؤتمر "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي" الذي تنظمه دار الإفتاء المصرية برعاية مباشرة من رأس النظام عبد الفتاح السيسي.


قد يوهم العنوان أن المقصود بـ"المفتي الرشيد" هو الذي يتصف بالعلم الشرعي العميق والورع والالتزام بالنصوص، وأن الذكاء الاصطناعي مجرد وسيلة لخدمته، لكن الحقيقة أن كلمة الرشيد هنا لا تعني إلا المطيع للحاكم، والمضبوط بأجندته، والمبرمج على فتاوى توافق سياساته وتخدم مصالح أسياده في الغرب.


أما عصر الذكاء الاصطناعي فليس المقصود به توظيف التقنية في نصرة الإسلام، بل تطويعها لضبط الإفتاء في إطار مرسوم، بحيث يتم التحكم في الفتوى، وتصفية أي رأي شرعي يعارض إرادة النظام أو يفضح خيانته.


يأتي المؤتمر في وقت تتصاعد فيه موجات الغضب الشعبي من سياسات الأنظمة في بلاد المسلمين، وتزايد وعي الأمة على خيانة الحكام لثوابتها؛ من مثل قضية فلسطين، والتحالف مع أعداء الإسلام، وتطبيق أنظمة الكفر.


هذه الأنظمة تدرك أن الفتوى الشرعية المخلصة التي تنطق بالحق تمثل خطراً على بقائها، لأنها تكشف عدم شرعية حكمها وتحاكمها لديمقراطية الغرب الكافر. لذلك تعمل على إعادة تعريف وظيفة المفتي، من كونه ناطقاً بحكم الله المبني على أساس الأدلة الشرعية التي مصدرها الوحي، إلى كونه موظفاً حكومياً يبرر القرارات ويطوع النصوص لتتماشى مع سياسات الدولة، أي تصير فتواه أساسها الهوى وليس الوحي.


الذكاء الاصطناعي في سياق هذا المؤتمر ليس إلا أداة لمركزة الإفتاء والتحكم فيه. فبدل أن يسأل المسلم العالم المخلص في بيته أو مسجده، يُحال إلى "منصة رقمية" تحت إشراف الدولة، حيث تُصمَّم الخوارزميات وفق معايير سياسية وأمنية، فتفرز الإجابات المصرح بها فقط.


ما يعني أن الفتوى ستخضع لرقابة مزدوجة أولا رقابة بشرية تقوم بها المؤسسة الرسمية الخاضعة للحاكم. وثانيا رقابة تقنية مبرمجة على تصفية أي محتوى يُخالف الخط السياسي أو يُدين الظلم أو يدعو للجهاد ضد المحتل أو يُطالب بتحكيم الشريعة في واقع الناس.


في عرفهم "المفتي الرشيد" هو الذي يربط الفتوى بالقوانين الوضعية ويجعلها مرجعاً أعلى من حكم الله في التطبيق العملي. وهو الذي يتجنب كل ما يزعج الحاكم أو يهدد مصالحه، ولو كان نصاً شرعياً صريحاً. وهو الذي يمرر التطبيع مع الكفار والمحتلين بحجج المصالح والموازنات. وهو الذي يبرر المعاهدات الدولية المخالفة للشريعة باعتبارها "ضرورة" أو "التزامات دولية".


هذه المؤتمرات، من حيث حقيقتها، تدخل في باب تغيير الدين وتزييفه، لأن وظيفتها الأساسية ليست البحث عن حكم الله، بل تمييع هذا الدين وتدجينه وصناعة أحكام بديلة تُلبس لباس الشرع وهي في جوهرها خضوع للهوى وابتعاد عن منهج الله. قال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ﴾ فالحكم والفتوى بغير ما أنزل الله اتباع للهوى وإرضاء للحكام وسادتهم، وهو مما حرّمه الله تحريماً قاطعاً، كما أن النبي ﷺ حذّر من علماء السوء الذين يبيعون دينهم مقابل عرض من الدنيا، فقال: «أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلُّونَ».


من حيث المبدأ، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة قوية لخدمة الفقه، بجمع النصوص، وفرز الأقوال، وتقريب المعلومة للباحث. لكن حين تضعه الأنظمة في يد مؤسساتها التابعة، يتحول إلى أداة خطيرة لتقييد الفتوى وحجب الرأي الشرعي الصحيح. وفي هذا السياق، يصبح الذكاء الاصطناعي امتداداً لأجهزة الأمن، لكنه بوجه علمي وتكنولوجي، بحيث يظن المستفتي أنه يتعامل مع آلة محايدة، بينما الحقيقة أنه يخضع لبرمجة تحمل أجندة سياسية.
إن الغاية الحقيقية من هذا المؤتمر ليست تطوير الإفتاء، بل:


1. إحكام القبضة على الإفتاء عالمياً من خلال الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، وجعلها مركزاً ينسق المواقف الدينية بما يخدم الحكام.


2. تسويق الإسلام المروَّض الذي يقبل بالحدود السياسية المصطنعة، وبالتحاكم للقوانين الوضعية، وبالتطبيع مع الأعداء.


3. تحييد الفتوى عن السياسة الشرعية، وإبعادها عن قضايا الأمة المصيرية مثل تحرير فلسطين، وإسقاط الأنظمة الجائرة، ورفض الهيمنة الغربية.


4. إضفاء الشرعية على قرارات الحاكم، بحيث تأتي الفتوى جاهزة لتبرير كل صفقة أو اتفاق أو تحالف، ولو كان مع عدو محتل.


هذه المؤتمرات تشكل خطراً مضاعفاً:


أولا: تشويش المفاهيم، حيث يختلط الحق بالباطل تحت شعار "الاعتدال" و"الرشد".


ثانيا: إنتاج جيل من المفتين لا يجرؤون على قول الحق، بل يرون أن مهمتهم هي تبرير ما تريده السلطة.


ثالثا: قتل روح الاجتهاد، لأن المنصة الرقمية ستختصر الطريق بإعطاء جواب موحد لا يقبل النقاش.


إن الواجب على الأمة، علمائها ودعاتها وشبابها، أن تفضح هذه المؤتمرات، وتبين حقيقتها للناس، وتحذر من أخذ الدين عن مؤسسات رسمية تحرف الكلم عن مواضعه. كما يجب أن تعاد قضية الاجتهاد والفتوى إلى موضعها الطبيعي: قول الحق في وجه السلطان الجائر، لا الخضوع له. قال ﷺ: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ». والأمة بحاجة إلى علماء ربانيين، لا إلى موظفين أو "منصة" تحركها خيوط السياسة.


وإننا نحذر المسلمين من الانخداع ببريق التقنية أو الألفاظ المزخرفة، فميزان الحق هو كتاب الله وسنة رسوله، لا ما تنتجه منصات الأنظمة أو مؤتمراتها. وليعلم الجميع أن الذكاء الاصطناعي، مهما بلغت قدرته، لا يمكن أن يكون بديلاً عن قلب مؤمن يخشى الله ولسان صادق ينطق بالحق، وأن الفتوى لا تكون رشيدة إلا إذا انطلقت من تحكيم شرع الله وحده، لا من إملاءات الحاكم أو برمجياته.


﴿إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾

 

 

المكتب الإعلامي لحزب التحرير
في ولاية مصر

 

 

المكتب الإعلامي لحزب التحرير
ولاية مصر
عنوان المراسلة و عنوان الزيارة
تلفون: 
www.hizb.net
E-Mail: info@hizb.net

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع