الخميس، 27 صَفر 1447هـ| 2025/08/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
الضرائب في مصر بين الواقع المفروض والحكم الشرعي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الضرائب في مصر بين الواقع المفروض والحكم الشرعي

 

 

الخبر:

 

قال موقع مصراوي، السبت 16/8/2025م، أن وزير المالية أحمد كجوك كشف خلال اجتماع مع الرئيس السيسي ورئيس الوزراء، أن الإيرادات الضريبية في العام المالي 2024/2025 بلغت 2.2 تريليون جنيه بزيادة 35.3% مقارنة بالعام السابق، وهو أعلى معدل نمو منذ سنوات. كما ارتفعت الإيرادات العامة بنسبة 29%، مقابل نمو في المصروفات الأولية بنسبة 16.3%. وأوضح أن هذا التحسن يعود إلى توسيع القاعدة الضريبية، وحل المنازعات الضريبية، واستخدام الوسائل التكنولوجية، وتطوير المنظومة الضريبية، وإنشاء وحدة للتجارة الإلكترونية، مع تطبيق إجراءات لتبسيط وردّ الضريبة على القيمة المضافة وتعزيز الشفافية. وأشار إلى أن المرحلة الأولى من حزمة التسهيلات الضريبية (شباط/فبراير – آب/أغسطس 2025) نتج عنها تقديم نحو 402 ألف طلب لحل نزاعات قديمة، وأكثر من 650 ألف إقرار ضريبي جديد أو معدل طوعياً، ما أدى إلى تحصيل 77.9 مليار جنيه. كما استفاد من الحوافز الضريبية للمشروعات الصغيرة (حتى 20 مليون جنيه مبيعات سنوية) نحو 104 ألف ممول.

 

التعليق:

 

هذه الأرقام تُظهر بوضوح حجم الاعتماد شبه الكلي للنظام المالي في مصر على جيوب الناس، إذ تمثل الضرائب المصدر الرئيس لإيرادات الدولة. لكن السؤال الجوهري: ما الموقف الشرعي من هذا النهج في جباية الأموال؟ وهل يجوز فرض الضرائب بهذه الصورة؟

 

الضرائب في مصر كما في باقي البلاد التي تحكم بالرأسمالية ليست سوى وسيلة لتمويل عجز الدولة وسد نفقاتها، بعد أن أُهدرت ثروات الأمة في صفقات مشبوهة، وتفريط في الموارد، وفساد في التوزيع. فبدلاً من أن تكون أموال المسلمين ملكاً لهم يُنتفع بها في رعاية شؤونهم وفق أحكام الشرع، أصبحت أداة لنهبهم عبر قوانين ضريبية متشعبة: ضرائب على الدخل، والقيمة المضافة، والأرباح التجارية، والعقارات، والدمغة، ورسوم لا تنتهي.

 

فالخبر يوضح أن الإيرادات الضريبية وحدها وصلت إلى 2.2 تريليون جنيه، أي أكثر من ثلثي الإيرادات العامة للدولة، ما يعني أنّ الدولة لم تعد تملك مورداً حقيقياً من ثروات البلاد، بل تعتمد على "جباية إجبارية" من الناس.

 

لقد وضع الإسلام نظاماً مالياً متكاملاً يقوم على رعاية شؤون الرعية من بيت المال، عبر موارد محددة شرعاً، منها: الفيء والغنائم، والخراج والجزية والزكاة، وعشور التجارة وهي رسوم على تجارات الكفار التي تدخل دار الإسلام. بخلاف الملكية العامة مثل النفط والغاز والمعادن، فهي ملكية للأمة لا يجوز خصخصتها، والدولة تستخرج الثروة منها وتنفقها على مصالح الناس، أو توزعها عليهم بصورة عينية. فالشرع جعل موارد الدولة واضحة وكافية لرعاية الرعية إن أُحسن استثمارها. ولم يجعل الضرائب مورداً دائماً أو أصلاً من أصول الإيرادات.

 

أما فرض الضرائب العامة على الناس بشكل مستمر لتغطية نفقات الدولة، كما تفعل مصر وسائر الدول الرأسمالية، فهو أمر محرم شرعاً، لأنه أكل لأموال الناس بالباطل. قال رسول الله ﷺ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ». والمَكْس هو الضريبة التي تؤخذ بغير حق.

 

إن للدولة في حالات استثنائية فقط أن تفرض مالاً على أغنياء المسلمين، إذا لم توجد أموال كافية في بيت المال لتغطية حاجات المسلمين الأساسية من مأكل وملبس ومسكن، أو للإنفاق على الجهاد أو التصدي للنوائب والنكبات، وهو ما لا تقوم الدولة المصرية بأي منه فلا ترعى ولا تعطي ولا تمنح وهي دولة جباية في المقام الأول. وقد جاء في الأحكام السلطانية للماوردي: "إذا نابَ المسلمينَ نائبةٌ وعجز بيت المال عن سدِّها، وجب على الأغنياء سدُّها بقدر غناهم".

 

لكن هذا استثناء مقيد بأن تكون هناك حاجة حقيقية ملحّة. وأن يقتصر ذلك على أغنياء المسلمين لا عموم الناس. وأن يرفع فور انتهاء السبب. أما تحويل الضرائب إلى نظام دائم ومستمر يشمل الفقير والغني، ويُبنى عليه اقتصاد الدولة، فهو مخالفة صريحة لأحكام الشرع.

 

والواقع اليوم أن الضرائب لم تعد أداة استثنائية، بل هي الأساس الذي تقوم عليه الموازنة. وهذا خلّف آثاراً خطيرة منها:

 

إفقار الناس: حيث تتحمل الطبقات الوسطى والفقيرة العبء الأكبر، إذ إن 78% من العاطلين عن العمل هم من خريجي الجامعات والمؤهلات المتوسطة، ما يعني أن فرض الضرائب يزيد الضيق ولا يوسع الرزق.

 

إضعاف الاستثمار الحقيقي: كثرة الضرائب المعقدة تجعل أصحاب الأعمال الصغار عاجزين عن المنافسة، بينما يُفتح الباب لكبار المستثمرين المرتبطين بشبكات السلطة والنظام والغرب الرأسمالي.

 

التغطية على الفساد: إذ تُستخدم الضرائب لتعويض الأموال المنهوبة من خلال الديون والصفقات مع صندوق النقد الدولي.

 

التحالف مع الاستعمار: فالنظام الضريبي الحالي هو من توصيات المؤسسات المالية الدولية التي تسعى لإخضاع مصر لسياسات اقتصادية مرهقة.

 

إن ما يقوم به النظام في مصر هو تعدٍّ على أموال الناس وظلم لهم، ففرض ضرائب عامة دائمة لا أصل له في الشرع. وتحميل الفقراء أعباء مالية بدلا من رعاية شؤونهم. بخلاف التفريط في موارد الأمة (كالغاز والنفط وقناة السويس) وتركها بيد الشركات الأجنبية، ثم تعويض العجز بضرائب على الناس. هذا كله يدخل في قول النبي ﷺ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ».

 

إن الحل ليس في مزيد من الضرائب، بل بإعادة بناء النظام المالي وفق أحكام الإسلام: بإلغاء الضرائب الجائرة، وعدم فرض مال إلا بنص شرعي واضح، وإحياء موارد الدولة وبيت المال الحقيقية التي أقرها الشرع ونصت عليها الأدلة وهي هائلة حقا. مع إدارة الثروات العامة باعتبارها ملكية عامة للأمة، فلا تباع ولا تُخصخص، بل تستثمر لصالح المسلمين، فيعود ريعها على الرعية. كل هذا مع تحقيق الاكتفاء الذاتي عبر سياسة اقتصادية مستقلة لا تخضع لصندوق النقد أو إملاءات الغرب، وتقوم على أساس الصناعات الثقيلة والمغذية والتصنيع الحربي والزراعات الاستراتيجية.

 

فالدولة الإسلامية؛ الخلافة، ليست في حاجة إلى ضرائب دائمة، لأنه متى ما طبق الشرع على الوجه الصحيح، فمواردها تغطي نفقاتها وتفيض.

 

الأرقام التي يفاخر بها وزير المالية لا تعبّر عن نجاح اقتصادي، بل تكشف عن تعميق الأزمة. فأن تزيد الإيرادات الضريبية 35% فهذا يعني أن أيدي الدولة قد غاصت أعمق في جيوب الناس. بينما الشرع يحرّم هذا النهب المستمر ويأمر الدولة أن ترعى شؤون الرعية من مواردها الشرعية.

 

فالطريق الصحيح ليس بمراكمة الضرائب، بل بتطبيق نظام الإسلام المالي كاملاً، الذي يجعل ثروات الأمة ملكاً لها، ويجعل الدولة راعية لا جابية، ويحقق عدلاً لا ظلم فيه، في ظل الإسلام ودولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة عجل الله بها وجعلكم جند مصر أنصارها.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمود الليثي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع